قرية حرامل الواقعة في مدينة مسقط، تعد أول منطقة عُمانية استخدمت للحجر الصحي عام 1897م عندما انتشر الطاعون الدبلي في جوادر (مدينة باكستانية كانت تحت الحكم العُماني)، الأمر الذي دعا السلطان فيصل بن تركي لفرض الحجر الصحي لمدة تسعة أيام على السفن القادمة من جوادر قبل دخولها موانئ مسقط ومطرح. وهو ما تشير إليه الوثائق، حيث اتخذ السلطان فيصل إجراءات وقائية لمقاومة وصول الأمراض الوبائية المعدية ومنها الكوليرا والطاعون والجدري وغيزها إلى السلطنة وذلك بمساعدة من القنصلية البريطانية في مسقط، تمثلت في منع نزول الأشخاص والأدوات، غير البريد، من السفن التي تحمل مصابين بالطاعون أو حتى مشتبهًا بهم، كما اشترط على ركّاب السفن السليمة بأن يُحتجزوا تحت المراقبة في منطقة حرامل لمدة تسعة أيام. وهذه الإجراءات جاءت بعد تشكيل لجنة من قبل السلطان فيصل بن تركي للتعامل مع تلك الأمراض، فأقرت بدورها إنشاء حجر صحي بقرية حرامل بمسقط. ووضع بالقرية مجموعتين من غرف العزل: واحدة للرجال والثانية للنساء والأطفال، ويطلق عليها الأهالي اسم "الكرتينات" من الكلمة الأجنبية (Quarantine) وهي مبنية من الحجر والطين، وتقع بجوار الجامع الحالي مقابل البحر. وتحتوي غرف الحجر الصحي على عدد كبير من النوافذ التي تسمح بدخول الهواء من جهة البحر، واستخدمت هذه الغرف لعزل المرضى والمشتبه في إصابتهم، وأشار الباحث العُماني فهد الرحبي في كتابه: "عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي" أن المبنى بقي حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن يُهدم للتوسع العمراني، وبسبب تهدم جوانبه وعدم الاهتمام به.أما عن الأسباب التي دعت إلى اختيار قرية حرامل لإقامة الحجر فيها؛ فيعود ذلك إلى طبيعتها الجغرافية المتمثلة في كونها قرية ساحلية صغيرة محاطة بالجبال من ثلاث جهات والبحر من الجهة الرابعة، وسهولة الوصول إليها من مسقط، التي تبعد عن مركز المدينة ميلا ونصف الميل، وبالتالي سهولة السيطرة عليها ومراقبتها. بالإضافة إلى أنها لم تكن مأهولة بالسكان، وكان يقطنها عدد قليل جدا من الصيادين في تلك الفترة، وجاءت تسميتها نسبة لنوع من المرجان يطلق عليه حرمل، يلفظه البحر عند الجزر. وفترة الحجر كانت في حدود تسعة أيام، ولم يكن من المسموح فيها مخالطة المرضى أو الاقتراب منهم، وفي هذا الوقت تم توفير كل المستلزمات لهم، والمتمثلة في المؤونة والغذاء وطبيب للرعاية الصحية وحارسين من أبناء قرية حرامل، حيث كان يمنع نزول ركاب السفن التجارية القادمة للموانئ العُمانية، على أن تتم عملية تفريغ البضائع عن طريق البحارة أنفسهم وعدم الاختلاط مع عمال الموانئ.قرية حرامل تجعلنا نعود للوراء قليلاً ونستذكر بعض المشاهد من تاريخ الدولة البوسعيدية حول أمراض فتكت بالكثير من البشر ولم يكن هنالك الكثير من الإجراءات سواء الاحترازية ولا الوقائية ولا العلاجية.المشهد الأول:
أبٌ مكلوم بفقد ابنه وهو في ريعان الشباب والقوة والسلطة؛ حيث يرثي الإمام سعيد بن أحمد ابنه السيد حمد بأبيات تعتصر ألماً ووجْداً على فراق ابنه، فيقول: "وافى حِمامك يا حبيبي بالعجل نار توقد في الضمير وتشتعل". ويؤرّخ ابن رزيق في فتحه المبين تلك الحادثة بأنَّ السيد حمد بن سعيد اشتكى من اشتداد الحُمّى عليه وظهور الجدري بجسده. ويذكر ابن رزيق أنَّ الإمام سعيد ذهب إلى مسقط قادماً من الرستاق بعد أن وصلت له رسالة ابنه حمد، فوجده في ألم شديد من الجدري. ولم يمكث السيد حمد طويلاً بعد مرضه، وتوفاه الله في ٨ رجب ١٢٠٦هـ/ فبراير ١٧٩٢م، ودُفن وقت الضحى في ظهر الوادي الأوسط من بلدة مسقط.المشهد الثاني:
سيدة عُمانية وأميرة عربية تستذكر تاريخها في الغربة، وتستمطر ذاكرتها لتدوين ما يُمكن تدوينه عن وطنها الأم جزيرة القرنفل التي وُلدت ونشأت فيها. إنها السيدة سالمة (ت: ١٩٢٤م) ابنة السلطان سعيد بن سلطان سلطان عُمان وزنجبار وملحقاتها. حيث دوّنت السيدة سالمة في مذكراتها مشاهد الأوبئة التي فتكت بالآلاف من أبناء جلدتها، وأفقدتها الكثير من الأصدقاء والأحباء. ونستحضر بعض ما كتبته، حيث تقول: "أريد هنا أن أتناول شيئاً واحداً حول بعض الأمراض. ينتشر الجدري في زنجبار بشكل مُستمر للأسف ويذهب ضحيته الآلاف". وفي مقطع آخر تقول: "أما السُّل فلم يكن ضيفاً نادراً أيضاً في جزيرتنا... لقد عانت واحدة من زوجات أبي، وهي شابة رائعة الجمال معاناة لا توصف من هذا المرض... لقد راح ضحية هذا المرض الغادر عدد غير قليل من أحبائي في ريعان الشباب". وقد توفي أخوها السيد خالد في عام 1854م بمرض الجدري وكان خبر وفاته صاعقاً ومباغتاً على والده السلطان سعيد الذي كان يعده لتولي الحكم من بعده وكان نائبه في زنجبار عند سفره إلى مسقط.
المشهد الثالث: